بحث هذه المدونة الإلكترونية

معرفـه المتقاعـد لذاتـــه



معرفة المتقاعد لذاته 

لا يمكننا أن نسعد أنفسنا إلا بمعرفتها أولاً.. لذلك السؤال هل تعرف نفسك؟.. سؤال يبدو سهل لكن من الصعب الأجابة عليه.. فالإنسان كالشجرة كل يوم بفرع جديد.. السطحيون فقط هم المتأكدون من معرفة أنفسهم ومعرفة كل ما يريدون.


لكن ليس المطلوب أن تبعدنا هذه الصعوبة عن محاولة معرفة ذاتنا.. والدخول إلى عالم أنفسنا مستعينين بما نملكه من قدرات منحها لنا عقلنا وإحساسنا.. نسترشد بهما لنقيم ظروفنا ونعرف حقيقة ما نريد.. ونحدد كيف علينا أن نتصرف ونتعامل مع مختلف المواقف التي نواجهها كما يوضحها الرسم التالي:
ويمكن للإنسان أن يتعرف على ذاته عن طريق جوانب عدة:
1-  معرفة مستويات الذات: هناك ثلاث مستويات لها أولا الذات الأعلى، وهي الذات التي يتمنى الفرد الوصول إليها، فالذات الحقيقة، وتعني الذات كما هي والتي يسعى الفرد الناضج إلى إدراكها ومعرفتها، ثم الذات الأدنى وهي ذات الفرد التي تحمل صفات يرغب التخلص منها، وقد يهرب البعض الآخر من مواجهتها، أو يلقي باللوم على الآخرين لاعتقاده بأنهم المسئولون عن وجود تلك الصفات.


(‌ب)  معرفة تدرج النفس كما يبينها الرسم التالي:
  

    البعض يملك في نفسه كل هذا التدرج في وقت واحد.. فجزء منه يشعره بأنه آثم.. وجزء يلوم النفس عليه.. وآخر هو مطمئن إليه.. وجزء أخير هو راض عنه ويحس أيضا برضا الآخرين عنه.

2-    معرفة الفرد لشخصيته. وهي مجموعة الصفات التي تميزه عن غيره.. وتحدد لـه دوره في جماعته ومجتمعه.. وهي تركيبة معقدة تتكون من تفاعل هذه الصفات وتحركها أو تغيرها.


    لذلك فان الفرد لا يشبه غيره.. فعلى سبيل المثال لو مرت نسمة الهواء على ثلاثة أفراد ( شعر الأول بالبرد – والثاني لم يكترث– والثالث أحس بالانتعاش).. ومن هذا الاختلاف يدرك بأن ليس عليه التصرف بطريقة فقط لان الغالبية تتصرف بنفس الطريقة.. وينجرف وراء ما يسمى بسياسة القطيع.. وأن لا يقلد كل شيء مهما كان جميل.. فقد يكون غير مناسب له.. كما يقول المثل الانجليزي" الحذاء جميل لكنه ضيق على قدمي "

3- معرفة ردة فعل النفس في مختلف المواقف
عندما يتعرض الفرد لموقف ما تكون ردة فعله متفاوتة.. فإذا كان عليه أخذ:
          (‌أ)     موقف الرفض والمقاومة.. تأكد أولاً بأنه يمتلك القوة المناسبة لمواجهة الأمر الذي يرفضه.
         (‌ب)    موقف التوفيق والتسوية.. إذا أحس بأنه لن يستطيع أن يرفض الأمر أو أن يقبله كاملاً.
         (‌ج)    موقف الانسحاب.. إذا وجد نفسه بأنه لا يستطيع فعل أي شيء.. وأن وجوده فيه سيسبب له الضرر.
         (‌د)     موقف الخضوع.. إذا عرف بأنه لا يستطيع مقاومة أو تغيير الأمر الذي لا يريد.. بل لا يستطيع حتى الانسحاب منه.. لذلك ليس أمامه سوى الاضطرار للخضوع إليه.. أو السخرية منه كما تفعل بعض الشعوب المغلوبة على أمرها.



ويتجسد ذكاء المرء باختيار رد الفعل المناسب.. أخذاً بالاعتبار شخصيته وظروفه وطبيعة الموقف الذي يجد نفسه فيه.


 4 - معرفة ما يترتب على مخاوف النفس. وذلك يشمل التوتر والقلق والضغط النفسي:

        (‌أ)        التوتر: لا بأس أن يكون المرء متوتراً عندما يكون هناك جانب مهم من حياته مهدداً ولا يستطيع فعل شيء اتجاهه.. لكن ما بالك من يحطم أعصابه في كل مشكلة يواجهها حتى المشاكل العادية.. على الرغم من أن التفريق بين أهمية المشكلة عن غيرها متفاوت من فرد إلى آخر.. فهي نسبية كالفارق بين مشكلة قائد جيش عائد من حرب وهو مهزوم.. وبين مشكلة فتاة عائدة من موعد مع حبيب لم يحضر.. من الصعب تحديد أي منهما أكثر شعوراً بالتعاسة.



(ج)  الضغط النفسي
الشقاء قد يداهم الإنسان من كل مكان.. من حركة المرور.. وتذمر الناس وغياب الابتسامة.. والعجز عن اللهو.. ويشغل قلبه وعقله بأقوال وانطباعات الآخرين عنه.. يظن الفرد فقط لو انه عمل هذا أو عمل ذاك لأرتاح.. كأن يقول سأرتاح عندما يكبر الأبناء أو عند إنتهاء الأمتحانات أو حين يتخرجوا.. سأرتاح عندما يأتي الصيف أو الانتهاء من ترميم البيت وهكذا.. يعتقد واهماً بأن الأمور ستنتهي.. لكنها لن تنتهي.. فلا خلاص أمام البشر.. ولن تكون هناك راحة.. كل شيء يجر إلى شيء آخر وهكذا.. فالالتزامات لا تتوقف.

أذن الأهم هو كيف يستطيع الفرد أن يتكيف مع كل ضغوطات الحياة هذه.

5- معرفة انفتاح النفس وانغلاقها على الآخرين
بعض الناس منغلقين على أنفسهم إلى درجة كبيرة.. والبعض الآخر منفتح على الآخرين بدرجة كبيرة أيضا كما هو موضح أدناه:


التوازن بين الانفتاح والانغلاق ضروري
 لكي لا يهمل الفرد ما بداخل ذاته.. وفي نفس الوقت لا يبتعد ويبعد الآخرين عنه.

 6 - معرفة مدى انسجام الفرد مع نفسه
ينسجم الانسان مع نفسه عندما يتصرف كما يحس ويفكر.. وتضطرب النفس عندما يناقضها ويتصرف بغير ما يفكر ويشعر.. والمثال الموضح أدناه يوضح ذلك.. فحين يتعرض الفرد لموقف مهين يفكر به.. يدفعه للإحساس بالغضب.. لكن تصرفه يكون بعكس إحساسه ليظهر الود ويجامل المسيء.



7 - معرفة كيف تواجه النفس صعوبات الحياة
تتحالف مجموعة من الصعاب والمشاكل في وقت واحد.. فهي لا تأتي فرادى.. والحياة ليست دائماً سهلة أو مريحه.. وفي بعض الاحيان شديدة القسوة.. ولا نجيد احياناً التعامل مع مصاعبها.. لذلك سنتعرف من خلال هذا المثال المعروف على الفرق بين الجزر والبيض وحبات القهوة كيف تتعامل مع الصعاب:


8 - معرفة ما تريد النفس  
السؤال ماذا نريد فعلا؟ سؤال بسيط يتطلب تفكير عميق للإجابة عليه.. وهكذا هي الأسئلة البسيطة "ريتشارد بارك".. التساؤلات البسيطة عن الحياة تكشف الكثير من الغموض داخل النفس وترسم طريقاً أفضل للوصول إلى حقيقة ماهية الذات.. وهذه التساؤلات تصدر عن الطفل البسيط الذي نسيناه داخلنا والذي عرف ما كان يرضينا.. وحدد الكثير من حاجاتنا الحقيقة التي أهملناها إلى حد لم نستطع أن نتذكرها.. وبالرجوع إليه نجيب على كثير من تلك الأسئلة.


هل نستطيع أن نقلد ضحكات وشعور السعادة التي لدى هؤلاء الأطفال من الريف المصري!

ومع هذا فعندما يصل الإنسان إلى ما أراد.. لا يعني بالفعل انه حقق ذاته.. وانه لم يعد يريد شيء.. فإذا كان لا يريد شيئا فستكون حياته مملة بشكل كبير.. فالرضا التام مدته قصيرة جداً.. ثم تظهر حاجة جديدة لدى المرء عليه إشباعها.. ولتعقيد الأمر قليلاً.. رغباتنا مغلفة بحاجات خفية.. فعندما نحقق ما نريد ندرك بأننا لا نعود نريد ما حققناه.. أو انه ليس بضبط ما أردناه.. لذلك نستمر في البحث والسعي لتحقيق شيء جديد.. وهكذا هي الحياة يغذي استمرارها الأمل.

ليس من الأفضل فقط الحصول على ما نريد.. لكن الأكثر حكمة هو أن نعرف ماذا نفعل بما حصلنا عليه ونستمتع به.. كالمال وشريك الحياة والأبناء والعلاقات وغيرها.. فالبعض يملك قدرات ومواهب طبيعية.. لكنها معطلة.. لان أصحابها ليست لديهم المقدرة للاستفادة منها.. والنفسية الهابطة ستبقي الموهبة مدفونة ويمارس صاحبها الفشل والإحباط.. وكلنا نستغرب عندما نرى شخص يملك مقومات السعادة.. لكنه مع ذلك ليس بسعيد.

الشقاء أن تجهل ما تحتاجه.. وترهق نفسك للحصول عليه.. كقصة الشخص الذي يبحث عن مفاتيح بيته في الخارج وهي ضائعة داخله.. يبحث في الخارج فقط لان هناك ضوء " النفس المظلمة تبحث واهمة عما يسعدها في خارجها"

معرفة الفرد لظروفه وما عليه القيام به

بعد محاولة معرفة الذات لابد للفرد من معرفة ظروفه لكي يحدد ما عليه القيام به ليحقق تطلعاته وأهدافه.. سعياً لملء أي نوع من الفراغ الروحي والنفسي نتيجة تقاعده ليستعيد مناخ التوازن في علاقته بذاته وبالآخرين.. وهذه الظروف هي:
أ‌-     الصحية: دون صحة لا قيمة لأي شيء.. يمنحها الأولوية بالمحافظة عليها والذهاب للطبيب لمعالجتها عند الحاجة من أي وعكة صحية.
ب‌- المالية: عند نقص الموارد المالية لابد من التركيز على ضغط المصاريف ما أمكن.. ومن ثم محاولة الحصول على عمل ولو بشكل مؤقت أو بساعة أو باليوم لجني أموال إضافية لسد النقص.
ج‌-  الاجتماعية: الاهتمام بالأسرة وتماسكها.. والوقوف مع من يحتاج من أفرادها للمساعدة.


التطلعات الشخصية: بعد أن يستوفي الفرد ظروفه الصحية والمالية والاجتماعية.. يمكن أن بتفرغ لتحقيق ذاته سواء أراد أن يصبح كاتباً أو رساماً أو محاضراً أو صاحب مشروع صغير.. أو ما شاء غيرها من تطلعات.. ليتخلص في نفس الوقت من الفراغ والملل وفقدان التركيز الذي يجلبه التقاعد والابتعاد عن العمل.