بحث هذه المدونة الإلكترونية

عـيش المتقاعد حيـاه متوازنة


عيش المتقاعد لحياة متوازنة

الحياة المتوازنة تعني أن يتمكن الشخص من أن يوازن بين مكونات ذاته (عقله وجسده وروحه ونفسيته) ويعطيها حقها من الاهتمام والوقت كلما كان ممكناً.. ليكون ذلك أساساً لبناء علاقته بمحيطه الخارجي الذي يرتبط معه مجبراً أو مختاراً.. وتشمل مكونات هذا المحيط ( أسرته وأصدقاءه ومجتمعه وماله واهتماماته وأعماله والتزاماته ).. كما يوضحها الرسم التالي:




 المتقاعد ومكونات ذاته
تتكون الذات البشرية من أربعة جوانب هي العقل والجسد والروح والنفسية.. سنستعرضها كل منها على حدة.. حتى يعرف المتقاعد كيف يرضي تلك الجوانب ويعيش في توازن معها كلما أمكن.


أولاً- اهتمام المتقاعد بتنشيط عقله وتقوية ذاكرته

الإنسان هو القوة الفاعلة في حياته.. لا يمكنه لوم الآخرين.. فهو المسئول لكل ما يحدث لها..  ابعد الحدود لقدرة الفرد يخلقها بسبب تفكيره.. فالعقل كالحديقة يزرع به الإنسان ما يريد من أفكار.. فإذا كانت البذور التي يزرعها جيدة كان الحصاد جيد.. والعكس إذا ما كانت البذور سيئة.. كما يمكنه ألا يزرع به أفكاراً أبداً.. وهذه كلها خيارات متاحة له يحدد منها ما يريد.   " فلا حدود للمقدرة "


هناك صنفين من البشر.. ذوي التفكير الايجابي الذين يتطلعون إلى الأمام بثقة وتفاؤل.. والصنف الآخر هم ذوي التفكير السلبي الذين يلتفتون إلى خلفهم بخوف وتوجس (مع أن بعض المخاوف قد تكون وهمية لا وجود لها في الواقع).. فالصنف الأول وأن لم يستطع لكنه يحاول.. والثاني لا يستطيع ويستسلم ويتمنى دون فعل.. ويرضى بالفتات المتساقط من مائدة الحياة.

كيفية تنشيط العقل وتقوية الذاكرة

لا يعني تقدم عمر الإنسان أنه أصبح غير قادر على تعلم واستيعاب معلومات جديدة.. فالدراسات أثبتت أن العقل له القدرة على التكيف والتغيير في أي مرحلة عمرية لاستيعاب كل ما هو جديد.. وهذا يعني بأن الأمر لا يتطلب من المتقاعد سوى القيام ببعض الإجراءات والممارسات البسيطة التي تحفز دماغه وتعمل على تنشيط وتقوية ذاكرته.. ومن هذه الأنشطة هي:



1.    ممارسة التمارين الرياضية
ممارسة الجسم للتمارين الرياضية بشكل منتظم يعمل على تحسين الدورة الدموية بكفاءة عالية في جميع أنحاء الجسم.. بما في ذلك العقل.. ويمكن أن يساعد هذا النشاط في معالجة فقدان الذاكرة والذي يأتي مع التقدم بالعمر.. كما يجعل المتقاعد أكثر يقظة واسترخاء. 
2.    أخذ قسط كاف من النوم
الحصول على كمية كافية من النوم يؤثر على قدرة العقل في تذكر المعلومات.. ويؤثر بصفة عامة على مهارات التفكير.. فالنوم أمر بالغ الأهمية لحفظ المعلومات وتعزيز الذاكرة كما تؤكد الأبحاث. 
3.    تجنب التوتر
التوتر والإجهاد العصبي هو واحد من أسوأ أعداء صحة الدماغ.. ويعيق تكوين الذكريات الجديدة واسترجاع القديمة.. إلا أنه يمكن التغلب على التوتر والضغوط النفسية من خلال محاولات الاسترخاء والتأمل والدعاء براحة البال.  
4.    تخصيص وقت للمرح والعلاقات الشخصية
تعتبر العلاقات الشخصية الناجحة مع الأصدقاء والعائلة أفضل تمرين منشط للدماغ والذاكرة.. فالمرح والضحك ينشطان جميع خلايا الدماغ بصورة كبيرة.. لذلك مهما كان حجم انشغال المرء لابد له من تحديد وقتًا لنفسه للمرح مع أصدقاءه وعائلته أو مشاهدة بعض المقاطع الكوميدية. 
5.    تنظيم الحياة
كي تحسن أداء عقلك يجب أن تكون منظماً في حياتك الشخصية.. مثلاً ضع الأشياء المستخدمة الخاصة بك في مكانها في كل مرة تستخدمها.. واستخدم اسلوباً منظماً لمواعيدك وارتباطاتك الشخصية.. مما يعمل على تحسين أدائك وذاكرتك أيضاً. 
6.    تمرين العقل باستمرار
    لابد من اللجوء الى تأدية مهام عقلية غير مألوفة من حين إلى آخر.. فالذاكرة مثل القوة العضلية.. تتطلب التدريب والاستعمال المستمر لتقويتها.. كالقيام بأنشطة جديدة وغير مألوفة لدى الفرد.. وأنشطة تمثل تحديًا وتدريبًا عقلياً له.. من امثلة على ذلك تعلم لغة جديدة.. أو محاولة حل الكلمات المتقاطعة أو لغز سودوكو.. وينبغي أن يكون النشاط في نفس الوقت ممتعاً لمن يمارسه.
سيستمر الإنسان يتعلم وينمي عقله طوال حياته.. لأن هناك مدرسة اسمها الحياة مفتوحة للكل ولا تغلق أبوابها.. فمن التجارب والأخطاء والمحاولات والنجاحات يتلقى المرء الدروس.. وستعاد عليه تلك الدروس في أشكال مختلفة لتعزز من تعلمه.. لذلك لا توجد مرحلة من حياة المرء خالية من الدروس.. ويمكنه إثراءها بالقراءة والإطلاع والمناقشة والتعبير عن الرأي.. وبها لن يشل عقله أو يحرمه من النشاط.


ثانياً- اهتمام المتقاعد بصحته الجسدية 

مع أن هناك قول " بأن الناس يعيشون مرضى إلى أن يموتوا .. وأن كانوا أصحاء جسدياً.. لكن نفوسهم مريضة يفترسها في الكثير من الأحيان الخوف والقلق والوسواس والاحباط.. ولحظات السعادة يحصلون عليها في غفلة.. فقط عندما يتجاهلون وينسون كل آلامهم وكأنهم يسرقون تلك اللحظات".. إلا أنه من مسئولية الفرد هي أن يجعل من صحته الجسدية والنفسية هدفه الأول.. فكل ما يحاول فعله هو من اجلها.. لأنه كمتقاعد يعيش فترة الضعف الجسدي فلم يعد صغيراً.. وبدون الصحة لا يمكنه الاستمتاع بأي شيء.. وليس عليه الانتظار حتى تصبح الحركة غير مجدية.. فلا احد سيتحمله دون صحة حتى اقرب الناس له.. وإذا تحملوه فلفترة محدودة.

أن ممارسة الرياضة تشمل تقوية عضلات الفرد لتمكنه من التحمل في القيام بمختلف التمارين.. وتشمل تعزيز من قدرته على التنفس لتساعده في إطالة الفترة الرياضية.. والتركيز أيضا على تمارين المرونة والرشاقة التي تسهل عليه القيام بمعظم الحركات الرياضية وتخفف من الإصابات.. وان أهم ما في ممارسة الرياضة هو انتظامها.

الطعام: جعل الأغذية البسيطة الصحية هي المفضلة.. وتجنب الأغذية الدسمة الثقيلة.. وتناول وجبات صغيرة متعددة ومتفرقة.. والاهتمام بالتنوع والتوازن الغذائي مع الإكثار من شرب الماء والخضروات والفواكه.. يحسن مثل هذا النظام الغذائي صحة الفرد بصفة عامة والذاكرة.

الصحة النفسية تتوازن بين النشاط والراحة: الإجهاد العقلي والملل الناشئان عن الفراغ يؤديان بالجسم إلى التدهور بأسرع ما يؤدي إليه الإجهاد البدني.. بالنشاط يتخلص الإنسان من الملل وبالراحة يتوازن.. وهكذا هو الربط بين مقدار النشاط والراحة.. وللاسترخاء الجسدي أصول مرتبطة بطريقة التنفس وغيرها.. ولمزيد من الاستفادة يمكن الرجوع إلى مصادر متخصصة بها.. وللألوان تأثير.. فالأزرق والأخضر للتهدئة.. والأحمر والأصفر يستخدمان للتنبيه.. والضوء الخافت يهدئ.. إذا كان بإمكان الفرد الابتعاد عن الضوضاء فعليه أن يفعل.. وان لم يستطع فليس أمامه سوى التكيف معها.. الاعتدال في كل شيء يعتبر حجر الزاوية في بناء الصحة والسعادة.

بكاء المتقاعد " كجزء من صحته النفسية "
البكاء هو تفاعل نفسي يعبر فيه الإنسان عن شعوره اتجاه الظروف الصعبة التي يمر بها.. نتيجة تعرضه لحادث أليم أو فقدان عزيز أو حسرة من سوء الحظ أو موقف إنساني محزن.. ويصاحب البكاء سيلان الدموع.

ويعتبر بكاء الكبار عودة الى الفطرة والطفولة.. والمرأة غالبا أكثر بكاء من الرجل نتيجة رقتها الفطرية.. بينما يحاول الرجل أن يكون عصي الدمع صابر ومتماسك وشجاع أمام الأزمات وكأن ليس لعاطفته عليه نهيُ أو أمرُ.. حتى ولو كانت به لوعة فهي سر على من حوله.. ففي المجتمعات الشرقية ربما يعتبر بكاء الرجل معيباً أو دليلاً على ضعفه وعدم نضوجه.


ولكن في بعض الأحيان يجد الرجل نفسه وقد انهار وخانته شجاعته ولم يستطع الصمود أمام موقف عصيب.. فتسيل دموعه دون أن يستطيع مقاومتها بالرغم من ادعاءه القوة.. فكبت الدموع ربما يعرض الإنسان رجلاً كان أو امرأة لخطر الاصابة بأزمة قلبية.


والبكاء ليس فقط يدل على إحساس إنساني مرهف بل هو أيضا مفيد لتحسين الحالة الصحية من خلال إزالة المواد الضارة كما يقول الأطباء.. فيقوم المخ بفرز مواد كيميائية للدموع مسكنة للألم.. وبعد الانتهاء من البكاء تعود سرعة ضربات القلب إلى معدلها الطبيعي وتسترخي العضلات مرة آخرى وتحدث حالة شعور بالراحة.. فتكون نظرة الفرد إلى ما يؤرقه ويقلقه أكثر هدوءً ووضوحاً.

وينصح العلماء إذا أحس الإنسان برغبة في البكاء فلا يحبس دموعه.. فأن الكثير من التوتر والضغط والغضب والقهر والحسرة والآلام والأحزان تسيل مع هذه الدموع.. أن ذرف المتقاعد الدموع حزناً أو فرحاً في الغالب لأنه لم يجد وسيلة للتنفيس عن تزايد الضغوط النفسية عليه إلا بالبكاء.

المتقاعد والابتسامة والفكاهة
الفكاهة تعني الابتسام والضحك.. فتعبر الابتسامة عن المتعة والسعادة.. إلا إذا كانت قلقة فتسمى تكشيرة.. وتغذي الابتسامة النفس والروح وتحفظ الشباب وتطيل من عمره.. وتنعش حياتنا وتجعلنا نحب ما نحن مقبلين عليه.. وتنشط الذهن وتعزز الذاكرة وتوسع مساحة انتباهنا..  وبالتالي يصبح المرء أقدر على التخيل والإبداع ودقة التفكير كما يقول العلماء.. وتبعث الابتسامة فينا السعادة الداخلية وبالتالي تزداد وجوهنا إشراقاً بالحيوية والنشاط.. فتزيح الهم عن قلب من يعطيها ولا تكلفه مالا.. وفي نفس الوقت تثري بالسعادة من يتلقاها وبدون ثمن.. وهي تدوم لحظات فقط ولكن لمفعولها أثر طويل الأمد.. وهي تنثر الفرح في البيوت وتنشط العلاقات والصداقات.. وتمنح الراحة لكل متعب وتعيد الأمل لكل محبط.. وتبرز قيمتها الثمينة عند إهدائها.

والضحك من جانب آخر هو دواء للنفوس الجريحة وسلوى للقلوب المكسورة.. ومن فوائده الصحية كما يقول الاطباء بإنه يوسع الشرايين والأوردة.. وينشط الدورة الدموية.. ويعمّق التنفس.. وينقل الأكسجين إلى كل أطراف الجسم.. وله مفعول مخدراً شبيهاً بأثر المورفين.. ومن نتائج ذلك مساعدة الإنسان على النوم العميق.. وهذا مفيد للذين يعانون من الأرق والقلق والكوابيس.

الضحك هو سلوك إنساني يظهر الفرد في صورة من المرح والفرح.. وتتعدد أسباب الضحك .. منها عند سماع الشخص نكتة أو نتيجة لمداعبة من ملامسة جسدية.. وتساعد عاطفة الضحك الإيجابية الإنسان ليتفاعل اجتماعياً مع الآخرين.. وتدل مشاركتهم الضحك على قبوله لهم وقبلوهم له.. وقد يكون الضحك في بعض الأحيان مُعديا.. فيؤدي ضحك الفرد الى ضحك الذين من حوله.

وعلينا الحذر من ضحكاتنا وابتسامتنا بأن لا تستهزئ بالآخرين.. فنحن كما يقول أرسطو " نضحك على من هم أقل منا وعلى القبحاء من الأشخاص..  والفرح يأتينا من الشعور بأننا طبقة أعلى منهم".

عموماً تخفف الفكاهة من الأعصاب المتعبة.. لذا يفضل أن نسمع النكتة ونقرأها وننقلها.. ونطلق ضحكاتنا من القلب وبصوت عال ولا نهتم بالمظاهر ولا نستهزء بها من الآخرين.. ونختلط مع كل من يجلب لنا الفرح.. وإذا أمكننا فلنسخر حتى من مشاكلنا.. ونجعل من الابتسام والضحك عادة لدينا.. لذا نبدأ يومنا بنكته.. وأن لم نجد نبحث عنها في مواقع الانترنت.. نكثر من الضحك في جلسات الأصدقاء بدلاً من الحديث في هموم الحياة وسلبيات المجتمع.. وأن لم نستطع الضحك فيمكننا على الاقل الابتسام.. فهو يثير الفرح والتفاؤل من حولنا.

كبر السن كالحساب في البنك.. يمكن أن نسحب منه فيما بعد ما نريد من الذي اودعناه فيه.. خصوصا تلك اللحظات السعيدة.. لذلك فلنكن كرماء مع الاخرين سواء كانوا متقاعدين أو غيرهم ونهديهم ابتسامتنا لأنهم بالتأكيد في حاجة إليها كما نحن.. فربما يبادلوننا ابتسامة أعمق وأصدق.. نستطيع أن نبتسم لنواجه صعوبات هذه الحياة وهزائمها.. فلسنا الوحيدين الذين لسعتهم الأيام.



صحة المتقاعد بشكل عام

إذا كانت صحتنا في سن التقاعد جيدة حافظنا عليها.. بتناول الفيتامينات وأخذ الاحتياطات عن طريق مراقبة نسب الكلسترول وارتفاع الضغط والسكر وغيرها.. وان كانت صحتنا غير مستقرة نعمل على تحسينها.. وإذا لم يكن بوسعنا تحسينها نطلب المساعدة.. ولا نتأخر في الذهاب إلى الطبيب المختص للعلاج للحصول على تلك المساعدة.


ثالثاً- اهتمام المتقاعد بالجانب الروحي من شخصيته 

الأخلاق تمثل الجانب الروحاني من الذات.. ومكونه هو الضمير " Conscience " الذي يحدد معنى الفضيلة والرذيلة.. ومن ثم قدرة الفرد على ممارسة ضبط نفسه.. وفرض واجبات أخلاقية عليها بعد أن يوزن ويقيم أفعاله.

الجانب الروحاني هو من يساعد المرء ليعزز من سلوكه المناسب لتصبح ذاته منضبطة تلقائياً كل ما أمكن ذلك.. ولتطمئن نفسه ويرتاح ضميره ليتخلص من أخطاء الأنانية التي ربما ارتكبها في مراحل شبابه.

فأخطاء وخطايا الماضي قد تعذب الروح وتؤدي في اغلب الأحيان إلى الندم وإحساس الفرد بالذنب لا يمكن معالجته.. كما قد يصاحبها خوف شديد بأن تلك الأخطاء ستكتشف.. خصوصاً إذا كان الفرد يدعي الاستقامة أمام الآخرين أو استقام فعلاً.. عليه أن يتذكر بأنه لا يمكنه إعادة التاريخ لتصحيح تلك الأخطاء والخطايا كما قلنا ذلك مسبقاً.. لذا لابد من الكف عن جلد الذات. 


يبحث المرء عن الأمان الداخلي الذي يستبعد به الخوف ويزيد الثقة بالنفس.. وأن لم يحصل عليه ستضطرب نفسه وتتأرجح بين الطمع والأنانية وهما مصدرا الشرور جميعاً.


فالأنانية هي التي يتبع فيها الفرد رغباته وحاجاته الشخصية.. ودون الاكتراث بحاجات ورغبات الآخرين والوصول إليها حتى ولو كان على حسابهم.. وهذا ما فعله الفراعنة.. جعلوا آلاف البشر يعملون ويكابدون ويموتون ليبنوا لهم الأهرامات حتى يخلدوا أنفسهم.


لما الأنانية !
على الرغم من أن محبة النفس هي مدخل لمحبة الغير.. لكن أن لم يحب الإنسان نفسه فلن يحبه أحد.. ولن يشعروا بألمه كما يشعر به.. سينامون بالليل مهما تعاطفوا مع جرحه.. وإذا ضحى من اجل أبنائه أو بيته أو ماله فان الإيثار أو التضحية هنا ليستا عكس الأنانية.. إنما وجه آخر منها فكلها في النهاية تعود إليه " أبنائه وبيته وماله وهكذا".

كما أن الذين من حولنا لا يمنحونا الحب الكافي لأنهم مشغولون بأنفسهم.. لذلك علينا أن نمنحه لأنفسنا.. ونتحول مجبرين إلى أنانيين.. وان حاولوا منحنا حبهم فهو لازال غير شافي وكافي لمقدار أنانيتنا وحبنا لأنفسنا.. ولا احد مسئول عن سعادتنا سوى أنفسنا.
والأنانية تولد الغرور.. فالمبدعون المعجبون بأنفسهم بإسراف لا يكتفون بذلك بل يطلبون الإعجاب من الغير.. وان لم يحصلوا على كفايتهم من التقدير تجدهم في كل مناسبة يزكون أفعالهم.. يحاول البعض منهم أن يكون محط انتباه الجميع دائماً.. أنه لا يدرك بأن متعة الحياة متاحة لأي فرد يمارس شخصيته دون أن ينشد تصفيق العالم.. وعندما لا يهم المبدع سوى بمصلحته الضيقة كالجري وراء المال.. فانه ينضم إلى القطيع الباحث عن المال ولم يعد فيه شيء يميزه عنهم.. هذا القطيع الذي يعتقد أن ما يحركهم ويحرك غيرهم من الناس سواء كانوا مبدعين أو غيرهم هي فقط المصالح الشخصية.

وبجانب الأنانية هناك مصدر آخر للشرور هو الطمع ففيه حسد لما حققه الآخرون.. ووصولية والسعي للحصول على ما لا يستحق المرء.. والطمع يختلف عن الطموح الذي فيه تحدي وتنافس شريف وبناء القدرات والسعي للنجاح ولتحقيق الذات.


الطمع والأنانية يولدان الحسد

عندما يحرم الإنسان من حقوقه الطبيعية كحرمانه من محبة والديه بسبب افتراقهما.. أو أن يولد يتيماً أو عليل الصحة أو مضطهداً من مجتمعه بسبب لونه أو فئته أو عقيدته أو جنسيته وغيرها من الظروف الناتجة عن غير خطأ منه.. أو يرى غيره يحقق نجاحات لم يستطع تحقيقها.. كل ذلك يجعله يتصور بان العالم كله قد تحالف ضده.. وانه سيء الحظ.. وإحساسه بالظلم والغبن هذا قد يدفعه إلى الحسد أو ربما كره الآخرين الذين تمتعوا بما ينقصه.


أفضل علاج للحسد والطمع هو عدم المقارنة.. وان النعم التي يصادفها الفرد لا تقل أهمية أو بهجة عما صادفه الغير.. فلو تأمل المرء في من هو حاسد لوجده يحسد شخص آخر.. وهكذا الكل يحسد الكل.. والأعلى يحسد شيء ليس له وجود.

فعل الخير ومساعدة الآخرين
للتخفيف من الأنانية

كل فرد قادر على فعل الخير ومساعدة الآخرين.. إما بمنح المال إن كان مقتدراً.. أو أن يمنحه في حدود مقدرته.. فلا يستحي المرء من إعطاء القليل فأن الحرمان أقل منه بكثير " الأمام علي".. وإذا لم يكن لديه مال يمنحه فيمكنه التطوع وتسخير علمه ومهارات الذهنية أو اليدوية وغيرها لخدمة غيره.. أذن لا عذر أمام التمنع من تقديم المساعدة للغير.

طفل أفريقي

يروي السيد/ عبد الرحمن سميط  وهو من كبار متطوعي العمل الخيري أثناء تواجده في إحدى القرى الأفريقية انه دعا طفل يتيم للاقتراب منه.. وعندما أخذه بين يديه قال الطفل " لأول مرة يحتضنني أحد في حياتي أنها أمنية".. يقول فاجأني قوله فسألته " وماذا تتمنى أيضاً عندما تكبر؟"
" أتمنى لما أكبر أن أكل البسكويت"
يقول احتضنته أكثر وتأثرت بعمق.. عندما عرفت أن أكل البسكويت أقصى أمانيه.

يا لها من أمنية بسيطة لطفل محروم..
                                     من منا لا يستطيع تحقيقها له! 

أن العالم جائع.. ليس للطعام بل للحب.. أن العالم عاري.. ليس للملابس بل للكرامة .. تخيل لو أن كل واحد منكم فعل شيئا لمساعدة الآخرين كما يفعل لزيادة تجارته
                                           " الأم تريزا تخاطب الميسورين"


 

  
هناك من يفعل الخير فقط من باب المباهاة وحب المظاهر.. يتحول الفرد من الاهتمام بالعمل لخير الآخرين إلى الاهتمام بنفسه.. فيرجو من وراءه الشهرة وإعجاب الآخرين والمجد الشخصي.



قصة فرد تعلم مساعدة الآخرين
 جارتي كبيرة في السن كل يوم تريدني أن أساعدها بشيء.. أنا الذي لا أهتم إلا بنفسي.. دائماً أجد هذه الجارة بورطة وعليّ معاونتها.. إلى أن قادتني إلى طريق الاهتمام بمساعدة الآخرين.. هذا ما أخبرتني به فيما بعد بأنها كانت تتعمد إظهار حاجتها للمساعدة.. لكي أدرك هذا الطريق.. طريق مساعدة الآخرين الذي لم أكن اعرفه.. لكن عندما عرفته.. ارتاحت فيه نفسي.
التدريب الروحي
هو الجهد البطولي الذي يبذله الإنسان من اجل اكتساب فضيلة أو التخلص من رذيلة أو الإقلال من حدتها ما أمكن.. بعد أن يكون الفرد صادقاً في تقييمه لذاته ليحصل على احترامها.. والتدريب الروحي هو سعي متدرج من المحاولات تبدأ من خطوة إلى أخرى حتى تحقيق الغاية.. كما هي محاولة الجري الأولى لا تبدأ بالمارثون.



رابعاً- اهتمام المتقاعد بحالته النفسية

كل هدف يسعى الإنسان لتحقيقه في النهاية هو أمر معنوي.. بما فيها الأهداف المادية.. فأن حصل عليها الإنسان أحس بالسعادة والرضا.. لذلك فالغاية مهما كانت مادية فأخيراً نتيجتها معنوية ونفسية.

فقدان الحماس والملل. يعتقد البعض بأنه مر في حياته بكل ألوان السعادة.. وانتهى بأنه لم يبقى شيء يثير حماسه ويستحق السعي من اجله.. ربما إنها حكمة توصل لها الفرد.. لكنها حكمة تعيسة.. فالحياة مليئة بما يثير الحماس" ولازال هناك جديد تحت الشمس" بإمكانه الاستمتاع بقدر ما تسمح به الظروف.

نخلق الإثارة في الحياة " لكي لا نموت قبل وقتنا"

والبعض يظن انه إذا توفر له المال فالسعادة هي فقط الجري وراء الملذات.. ولا يدري حتى هذه تأتي بالملل أيضا واختلال توازن حياته.. وكثيرا ما تترك وراءها الكآبة.. والملل قد يكون ضاراً.. حين يتحول الشجار مع الجيران لدى البعض وسيلة للتخلص من الملل.. ومن جانب آخر قد يكون الملل شعوراً مفيداً حين يؤدي لتجديد أسلوب الحياة والخروج من الرتابة.

الشعور السيء ليس أسهل من الحصول عليه.. أنه يأتي بمجرد تفكير المرء بما ينقصه.. كأن يتذكر مواقف سوء الحظ التي مر بها.. أو ينظر إلى ما عند الآخرين.. فهناك منغصات في الحياة كالفقر وقلة المال أو عدم الحصول على وظيفة مناسبة.. أو عدم الزواج أو عدم الإنجاب.. كما أن هناك غيرها من الأماني والرغبات التي تمنى تحقيقها ولم تتحقق.. وربما لن تتحقق.

الحياة مجموعة الأماني التي لا تتحقق

قال لي صديق بأنه يشعر بالحسرة على شيء ما .. كلما سمع أغنية لأم كلثوم.. فهي تتحدث عن حب لم يشعر به.. أو لم يجد شخصا يستحق مثل هذا الحب والتضحية التي تصفها.. هذه الحسرة هي نتيجة أن الحياة مجموعة الأماني التي لا تتحقق.. ومن أعتقد بأنه حقق أمانيه.. إنما حقق فقط ما هي سمحت به.. وأفضل ما أمكن تحقيقه ضمن استطاعته وصدفة الحياة.. فلو حاول الإنسان الإصرار على الوصول إلى ما يصبو إليه ولم يقبل فقط بما تسمح به الظروف.. لأنتظر طويلاً.. وفي انتظاره الطويل هذا تفقد أمانيه بريقها وقيمتها.. وربما لم تعد هي ما يريد.. فقد تأخرت كثيراً.

وهكذا هي الحياة إما أماني لا تتحقق.. أو أماني تتحقق متأخرة.. ويأتي الماء بعد أن يجف الزرع.. أو على المرء القبول بما هو متاح.. فالحياة قصيرة كلها وحتى أجزاءها.. ففي فترة الصبا نختار من الأصدقاء والأحبة ما اتاحته لنا الجيرة أو المدرسة.. ولو انتظرنا لإيجاد أفضل صديق ممكن لمرت الفترة دون الحصول عليه.. وكذلك هي الحال في فترة الشباب عند البحث عن العمل المناسب أو شريك الحياة المثالي بالنسبة لكل منا.. فهذا البحث ايضا تتحكم به صدفة الحياة وقصر فترة الاختيار.. واختيارنا يكون في الغالب هو أفضل الممكن ضمن الصدفة.

ولا بأس لراحة النفس أن ندعي بأن أصدقائنا وعملنا وشريك أو شريكة حياتنا هم أحلامنا وأمانينا.. وربما يكونون فعلاً هم كذلك للمحظوظين منا.

أن كانت الحياة هي مجموعة الأماني التي لا تتحقق.. فأين على المرء وضع الرغبة التي لم تتحقق؟.. يضعها في الجانب المظلم من العقل كما يفعل اليابانيون حتى لا تنغص عليه حياته وتشعره بالحرمان.


عدم الرضا عن الحياة بصفة عامة. الإنسان يعتقد بأنه يستحق أكثر مما أعطته الحياة.. خصوصاً عندما يقارن نفسه بما وصل إليه الذين أقل منه شأننا أو استحقاقاً.



ربنا لما وزع العقول على الناس الكل انبسط.. ولما فرق الأرزاق الكل زعل.
مثل مصري


الخوف والتشاؤم من المستقبل. أن معظم الناس عاجزون على السيطرة على أذهانهم التي يطحنها الخوف من المستقبل.. ولا يقوون على الكف عن التفكير في الأمور التي تثير الهموم ولا هم يستطيعوا عمل أي شيء اتجاهها.



المتشائم يرى عقبة في كل فرصة تسنح له.. بينما المتفائل يرى فرصة في كل عقبة تواجهه.. وتحويل الأخطاء إلى بدائل جديدة نتعلم منها.. ونعتبر كل موقف فرصة للعمل شيء جديد لم نعمله من قبل.

علماء النفس يقولون أن النفس البشرية في حالة شحن وتفريغ مستمر.. فالنفس تفيض بالشجون لابد من التنفيس عنها ولو بالدموع.. ثم نتحمل وندع الأمر الصعب يمر.. فان الشخص الوحيد الذي يستمر مع الإنسان هو ذاته.. فلا يحمله بما لا يطيق من الحزن طول الوقت.

التردد آفة. إذا لم يحدد ويبلور الفرد ما يريد فلن يستطيع اتخاذ قرار.. تتجاذبه البدائل والصدف وآراء الآخرين.. وعندما يجبر على اختيار ما.. يدرك بان هذا الاختيار ليس ما أراد.. ويعود إلى الحيرة ومفترق الطرق مرة أخرى لا يعرف أي سبيل يختار.. وهكذا عندما نريد الأشياء.. ونحققها ثم نتردد ونخاف.. كما نفعل حين نطلب الإحالة للتقاعد أو التخلي عن منصب ثم نشعر بأننا قد تسرعنا.

وإرجاء البت في القرارات يصل بالفرد إلى القبول بالأمور كما تحدث.. أو يتخذ أي قرار حينها.. أن أي قرار يتطلب قدراً من المخاطرة والإقدام.. والخطأ أحيانا أفضل من التردد.

وهناك من يتم اقتياده بواسطة الآخرين.. كالفرد الذي تمنى العمل في الصحافة ووجد نفسه يعمل في البريد.. تزوج بامرأة وكان يريد أخرى.. انه يعيش حياة من صنع غيره.. لأنه متردد ويخاف من سوء عواقب خياراته لذلك يتكئ على الآخرين.. ثم يلومهم ويلوم العالم على عدم الوصول إلى أمر يريده.. لكنه لم يعمل بجدية ويقوم بدوره.. فالأهداف لا تتحقق إلا بتضحية ما.


الإيحاء
الإيحاء أكبر العوامل التي تؤدي إلى تهدئة النفس أو إثارتها.. والإيحاء الايجابي هو يمني الفرد نفسه بأن أهدافه ستتحقق.. والتفكير بالسعادة جزء من السعادة.. والإيحاء السلبي هو عكس ذلك.. يبعث في النفس الخوف والاحباط والفشل وغيرها من الطاقات السلبية.




الحياة المتوازنة باختصار

تنظيم المتقاعد لمكونات ذاته
o   العقل. القراءة والإكثار من الأسئلة فهناك الكثير لنتعلمه.. فالغبي وحده يظن بأنه يعرف كل شيء.. والعالم متجدد وكبير لا يمكن للإنسان يعرف كل ما يحيط به.
o   الجسد. لعب الرياضة وتخفيف الوزن.. للمحافظة على الصحة والياقة.
o   الروح. تقديم العون والمساعدة للآخرين للتخفيف من حدة الأنانية والحصول من وراء ذلك على تقدير الذات واحترام الغير.
o   النفس. إذا كان المتقاعد في حالة ملل عليه أن يتذكر من هو السبب" أنه هو ".. عليه أن يكيف مزاجه لكل يوم.. ويكون تلقائياً.. ويضحك ويتصرف كطفل أحياناً.

بناء المتقاعد لعلاقاته بمحيطه الخارجي
ü     الأسرة. إدراك أهميتها كمصدر الاستقرار وملاذ الخلاص من صعوبات الحياة.
ü     العلاقات بالآخرين. خلق شبكة من العلاقات تثري الحياة.. ويتجنب الناس السيئين.
ü     اهتماماته وأعماله. خلق أفكار كثيرة لينوع من حياته ولا يدركه الملل.
ü     المال توفير الكاف منه حفظا للكرامة.. والزائد عن الحاجة منه لن يصنع من الفرد سعيداً أو شقياً.
ü     المجتمع . اختيار المحيط الذي يتلاءم معه.. فلا يسعد المرء إلا بالتوافق معه.
ü     الالتزامات الشخصية. هي واجبة التنفيذ لأنها ملحة.. لذا عليه أداءها وعدم التكاسل وتأجيلها.
الرغبة في السعادة ضرورية للسعادة.. المتعة الأكبر هي في محاول تحقيق الهدف وليس تحقيقه فعلا.. أذن السعادة هي أثناء السعي لها.. ولا يستطيع الإنسان أن يكون سعيداً طوال الوقت.. وخصوصاً عند تأدية اللالتزامات الكريهة.. او عندما يكون مضطراً للتعامل مع الذين لا يطيقهم.. وعلى أية حال

 فالسعادة أو الرضاء حالة معنوية خالصة.. ليست في الجمال أو القوة أو الثراء أو المجد.

والسعيد هو الذي يحمل طقسه معه لا يهمه إن كانت السماء صحواً أو مطراً!

تحديات
أمام الحياة المتوازنة

تواجه المتقاعد تحديات عدة إذا مار رغب أن يعيش حياة متوازنة.. تبدأ من مدى قدرته ورغبته في تقبل فكرة تغيير مسار ما تعود عليه.. وذلك بسبب تمسكه بقناعاته الشخصية التي تراكمت مع الزمن.. ولا تتيح تلك التراكمات له الفرصة في الوقوف متسائلاً عن مدى ملائمتها مع مسار حياة التقاعد.. وهل اهتمامه بجانب من الحياة أتى على حساب جوانب أخرى سواء كان ذلك عن قصد منه أو دون قصد.

هناك جوانب من حياة الفرد عندما تصاب تؤثر عليه بشكل كبير أكثر من غيرها.. وإذا أراد أن يعيش في خطر جعل جانب معين من حياته هو كل حياته.. أن نجح فيه سعد وان فشل أصابه بمقتل.. ولكن باستطاعته من خلال العيش حياة متوازنة أن لا يدع جانب واحد يتحكم بسعادته وشقاءه.. أو أن يجعل منه محبطاً وفاشلاً كلياً.. لأنه بإمكانه اللجوء إلى جوانب أخرى كملاذ من أية مشكلة حصلت في أحداها.. حيث تساعده الجوانب الأخرى في عدم التركيز على تلك المشكلة.. لان التركيز عليها يحطم أعصابه ونفسيته ويستهلك طاقته.

لا يمكن للحياة أن تثير أي شخص طوال الوقت.. هذا لا يعني أن الإنسان السوي لا تختل حياته بسبب مصاعب الحياة وخيبات الأمل.. ولا يطلب منه كما يطلب المبالغون من الفيل أن يمشي على بيض دون أن يكسر واحدة.. لكن هذا الفرد السوي يختلف عن الآخرين فعندما تختل حباته لديه القدرة على استعادة التوازن إليها بسرعة.