بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحديد مكان استقرار المتقاعد


اختيار المكان والمجتمع
الذي سيستقر فيه المتقاعد

يهيئ ترك العمل للمتقاعد الفرصة لتحديد المكان الذي يريد العيش فيه.. لأن مكان استقراره لم يعد مرتبطاً بالعمل وعليه أن يكون قريب منه كما هو الحال عندما كان موظفاً.. بالإضافة إلى أنه لم يعد مرتبطاً بمدارس أبناءه لأنهم في الغالب قد كبروا واستقلوا عنه.

ومن هنا قد يختار المتقاعدون لأسباب ملزمة أو اختيارية الاستقرار في منطقة غير المنطقة التي عاشوا فيها.. أو حتى يختاروا الانتقال إلى بلد آخر.. أما المتقاعد الذي كان عاملاً مغترباً.. اضطرته الظروف ليعمل ويعيش في غير بلده.. فليس لديه خيار سوى العودة لبلده.. أو البقاء في البلد المغترب فيها أو الذهاب لبلد آخر يعجبه أن كانت لديه الإمكانات المادية وسمحت له قوانين الهجرة.


أماكن مشجعة لاستقرار المتقاعدين
أن رغب المتقاعد اختيار بلد يريد الاستقرار فيه يمكنه الاستعانة بمواقع كثيرة بالأنترنت.. وضعت هذه المواقع قائمة بالمدن الأفضل للعيش والاستقرار فيها بعد التقاعد.. وهي قائمة متغيرة حسب تطورات المعيشة في تلك المدن.. ولا تتضمن القائمة عواصم ومدن رئيسية.. لأن من تقاعد يبحث عن الهدوء والاسترخاء.. والحلم بقضاء نمط حياة يلبي احتياجاته.. ومكان يفيض به دخله عن مصروفه.. هذا ما جعل أعداداً متزايدة من المتقاعدين يقصدون تلك المدن لقضاء ما تبقى من سنوات العمر بعيداً عن ضغوطات المدن الرئيسية.


الأمور التي على المتقاعد اخذها 
بالاعتبار عند اختيار مكان العيش والاستقرار

في الغالب ترجع عملية اختيار أماكن الاستقرار لأسباب شخصية تخص كل متقاعد على حده.. لكن توجد قواسم مشتركة فضلت بعض الأماكن على غيرها.. ومن هذه الأمور:

تكلفة المعيشة والنظام الضريبي مقارنة بوضع المتقاعد المادي
 للإمكانات المادية دور في اختيار مكان للاستقرار.. كتكاليف المعيشة المنخفضة ورخص العقارات والنظام الضريبي مقارنة بظروف المتقاعد المادية.. فدون وجود إمكانات مادية يصبح التفكير في تغيير مكان الاستقرار ترفاً لا داعي له. 

نوعية المكان ومدى صخب وزحام المدينة وتوفر الأمان ومعدل الجريمة
العمل في غالبه يكون في المدن وهي مليئة بالضوضاء.. حيث المصانع والمعامل والأماكن المزدحمة.. ويقل فيها الأمان ويزداد معدل الجريمة.. كل ذلك يشكل ضغوطاً على الأفراد العاملين.. تجعل الكثير منهم يتمنون الابتعاد عنها.. والتقاعد هو الذي يتيح الفرصة لهم في إيجاد مكان يبعدهم عما كانت الوظيفة تفرضه عليهم.. فهم يبحثون عن الهدوء في وسط الحياة الصاخبة.. يحتاجون إلى السكون.. ويتمنون أن يتوقف الزمن.. ليلتقطوا أنفاسهم ويتأملوا تفاصيل حياة ربما لم يكن لديهم الوقت ليحيوها. 

العيش بين الريف والمدينة
الفرد الذي يستطيع أن يجمع العيش بين الريف والمدينة يتمكن من منح حياته التوازن.. بهذه الطريقة يستطيع إشباع ما بداخله من جوانب ونقيضها "كالجمع بين نشاط المدينة وهدوء الريف".. وهذه رغبة البعض الذين بذلوا جهوداً ليذهبوا من الريف للعمل في المدينة.. وعملوا بالمدينة بجهد وجمعوا المال ليتقاعدوا ويعودوا ليرتاحوا في الريف.


إمكانية التفاعل مع الآخرين من حيث العادات ولغة التخاطب
في حال رفض الفرد أعراف وعادات مجتمعه سيجعله المجتمع يدفع من راحته ثمن هذا الرفض.. حيث لا يشعر الإنسان بالرضا إلا إذا كان مسلكه بشكل عام مقبولاً من أولئك الذين يعيشون حوله.. ومن هنا إذا كان سيستمر بالعيش معهم فعليه التنازل أحياناً عن أمور يريد فعلها.. لكنها لا تعجبهم ولا يقبلونها.. فإن لم يستطع عليه الابتعاد والبحث عن بيئة أخرى تناسبه وتتقبل أفكاره وسلوكياته.. وربما حتى تشجعه عليها.

أن من مصادر السعادة تكيف الإنسان مع بيئة مجتمعه كما قال" أرسطو "

والكبت الذي يعانيه بعض الناس قد يكون ناشئاً بسبب وجودهم وسط الغرباء.. فالغريب عن البيئة لا يستطيع أن يكون على سجيته ويعبر عن مكنوناته.. بل يكثر من المجاملة والادعاء.. وهي أمور مرهقة للنفس.

ومن الأمور الجاذبة التي يتطلع لها المتقاعدون في اختيار مكان استقرارهم هو أن أهل المكان الذي يرغبون في الانتقال إليه شعب ودود مرحب بالآخرين.. وإلا عانوا من اختلاف الثقافات.

المناخ واعتدال الطقس
يختار متقاعدون من الذين يعيشون بأماكن شديد البرودة ومثلجة في شمال الكرة الأرضية ( ككندا وأمريكا) الاستقرار في أماكن دافئة في الجنوب ( كفلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية ودول أمريكا الوسطى والجنوبية).. كما يستقر الكثير من الاوربيون في مدينة طنجة أو مدينة مراكش بالمغرب أو في أمارة دبي.. حيث الجو معتدل وتوفر اشعة الشمس طوال السنة بالإضافة إلى وجود تسهيلات ومزايا أخرى.

جمال الطبيعة بالمكان
الطبيعة الجميلة جاذبة للاستقرار كالأماكن التي تحوي جداول صغيرة وشلالات.. أو المناطق الجبلية والاكواخ على سفوحها.. أو الحقول الزراعية وامتداد الخضرة فيها على طول النظر.. حيث الهواء النقي والمناظر الخلابة التي تريح العين وتهدأ النفس.

مشكلة بعض الأماكن الجميلة بأنها بعيدة عن الأحبة

لكن في النهاية الأحبة أهم من الأماكن الجميلة

توفر أماكن الترفيه ومرافق وخدمات عالية الجودة
يهوى بعض المتقاعدين ممارسة أنشطة تتلاءم مع هوايتهم.. لذلك يفضلوا الاستقرار في الأماكن التي ترعاها وتهتم بها.. كاهتمامهم بالمدن التي تكثر فيها أنشطة الفنون والثقافة والتراث والتاريخ.. أو تلك التي يمكنهم فيها ممارسة الرياضة المائية والاسترخاء على الشواطئ والتمتع بالأطباق الشهية والمقاهي.

كما تسهل بعض الأماكن الحياة على المتقاعدين بما يتناسب وظروفهم الشخصية.. كالمدن التي تعنى بالاستشفاء وتقديم الخدمات والرعاية الصحية والتمريض وتوفير التدبير والخدمات المنزلية بثمن معتدل.. أو تلك التي تقدم تسهيلات كثيرة للمتقاعدين بما فيها التشجيع على عمل مشاريع صغيرة لمن يرغب منهم.. وفي نفس الوقت توفر المشاريع وظائف لقاطني هذه الأماكن.


قرار تحديد مكان الاستقرار
هل فرصة تحديد أو تغيير مكان الاستقرار متاحة للمتقاعد؟ وهل القرار يرجع له وحده؟ هناك معه شركاء في اتخاذ القرار هم " أفراد أسرته".. الزوجة سواء كانت متقاعدة أم لا .. والأبناء أن لم ينهوا مراحلهم الدراسية ولم يستقلوا عنه.. أما إذا لا زالوا في المدارس فهم تحت رعايته ولا يستطيع تغيير مكان الاستقرار دون ترتيب ذلك.

الزوج والزوجة واختيار مكان الاستقرار
قد يختلف الزوج والزوجة في اختيار مكان الاستقرار.. فيود أحدهما تغيير المكان الحالي إلى مكان أكثر هدوءاً أو أكثر جمالاً.. بينما يفضل الآخر العيش بالقرب من الأبناء والأحفاد.. وقد يبحث الزوج عن الهدوء في الريف وتبحث الزوجة عن نشاط وحيوية المدنية والتسوق فيها.. وقد يحب هو السفر وهي تتعب من كثرته وطول مسافاته.. وهكذا تتعدد الاختلافات.. وأحياناً قد تطال حتى الأمور الصغيرة كالبقاء أو الخروج من البيت للتنزه أو التسوق وقبول دعوات الآخرين وغيرها.. في النهاية عليهما أن يدركا بأن أحدهما يحتاج إلى الآخر خصوصاً في هذا السن وهذه المرحلة من الحياة.. وليس أمامهم سوى التوافق والبحث عن نقاط إلتقاء لتجاوز اختلافهما في التنازل عن جزء من الأنانية بمراعاة كل منهما لمشاعر وتطلعات الآخر.

فيما يذهب متقاعدون للاستقرار في بلاد زوجتهم أن كانت آمنه وقليلة التكلفة.. بينما تزوج آخرون مرة أخرى وعاشوا في بلاد زوجاتهم.. ربما هروباً من شيء ما في حياتهم وفي أماكن تواجدهم.

صعوبة تغيير مكان الاستقرار
الكثير من المتقاعدين لا يريدوا التغيير لأنه صعب على نفوسهم.. وأن كان الاستقرار في مكان آخر جميل ويمتلك ميزات عديدة.. ويرجع ذلك لأنه أصبحت شخصية الفرد وكأنها قطعة من نسيج مجتمعه والبيئة التي تربى وعاش فيها طويلاً.. وكلما طالت المدة امتدت جذوره في تربتها وصعبت عليه اقتلاعها والمغادرة.. باعتبار مغادرة تلك البيئة هي خطوة نحو المجهول.. ربما لن يسعفه الزمن لتحمل عواقبها وتصحيح نتائجها أن لم تكن خطوة مناسبة.. خصوصاً إذا باع الفرد بيته.. فهو بذلك يصعب على نفسه خط الرجعة في قراره.

بالإضافة إلى تعود المتقاعدون العيش في مكان معين.. والناس بطباعهم عبيداً لما اعتادوا عليه.. لذلك فهم لا يودوا التغيير حتى ولو كان المكان الذي يعيشون فيه مكلفاً وغير ملاءم.. تجدهم يحاولوا إعادة تكييف مصروفاتهم ونفسيتهم بما يلاءم البقاء حيث هم.. فيعتبروا أن المكان الذي عاشوا فيه بكل ما فيه من مساوئ وحسنات هو حياتهم.. ولا يستطيعوا العيش بعيدا عن حياتهم.


وعلى الرغم من أن التقدم التكنلوجي قد ساعد على التواصل مع البعيد وخفف من آلام الغربة.. إلا أن قوة الروابط الاجتماعية في مجتمعنا تصعب على المتقاعد ترك أبنائه وأحفاده وربما والديه للعيش بعيداً عنهم في الخارج لوحده.

ويوضح الخوف من التغيير في صفحة يضع المتقاعد هدفاً لتحقيقه يملئ به الفراغ ويشعره بأهميته من هذه المدونة.. مدى الصعوبة التي يجدها المتقاعدون في اتخاذ قرار تغيير أي شيء في مسار حياتهم.

وفي ظل هذا يقول المتردد في التغيير
" هذا العالم الذي اعيش فيه واشتكي منه.. لا أستطيع العيش بعيداً عنه..


وذلك العالم مهما كان جميلاً.. لا أستطيع العيش في غربته "


العاقل هو الذي يوازن بدقة بين العوامل الطاردة من مكان وجوده.. وبين العوامل الجاذبة لمكان آخر.. ليختار أين سيستقر هنا أم هناك! وتقدير ذلك يرجع لكل فرد حسب شخصيته وظروفه.

لكن في كل الأحوال على المرء ألا يختار مكاناً يشعره بالغربة وعدم الانتماء والوحدة.. لأنها تسبب له الآلام وتجعل من التقاعد فترة شقاء.

لذلك سيبقى اختيار المكان الذي سيستقر فيه المتقاعد قراراً قد لا يكون سهلاً..
ففي أي مكان يستقر سيخسر شيئاً ما.