بحث هذه المدونة الإلكترونية

علاقات المتقاعد مع الأخرين


علاقات المتقاعد مع الآخرين
 
أجمل الأشياء في الحياة ليست هي الأشياء.
تبدء مقومات إرضاء الذات بمدى قدرة الشخص على إسعاد نفسه دون الحاجة إلى الآخرين.. وبإمكانه استكمال إرضاء ذاته من خلال بناء وتعزيز علاقات مناسبة بالآخرين من حوله.. ليشغلوا وقته بما يريحه ويسعده.

فالعمل بالنسبة للموظف يعتبر مكاناً اجتماعياً.. حيث بإمكانه تكوين أصدقاء ومعارف من بين زملائه في العمل.. ويزداد إحساسه بالانتماء لمكان عمله من خلال التواصل مع الأفراد الذين يعملون معه بنفس القسم أو الذين يشترك معهم في فرق عمل ولجان وغيرها.. وقد يمارس مع البعض منهم أنشطة ولقاءات حتى بعد ساعات العمل.. وعندما يتقاعد من العمل يفقد العلاقات التي كونها فيه.


من هم الآخرون الذين بإمكان المتقاعد
بناء جسور العلاقات معهم




العلاقات مع الأصدقاء والزملاء والمعارف
ليس أمام الفرد بعد أن يتقاعد سوى أن يحافظ على علاقاته الحالية وينشأ علاقات خارج العمل.. بأن:
·  يتواصل مع معارف جدد من الذين يمكنه التعرف عليهم.. ويلاءمون ظروفه ونشاط يومه التقاعدي.. لكن ذلك سيتطلب وقتاً ليتعارفوا ويفهموا بعضهم البعض.

·      يستمر بالتواصل مع الأصدقاء والزملاء والمعارف من العمل الحالي الذين يرتاح لهم.
·   يعيد التواصل مع الأصدقاء القدامى الذين انقطع عنهم " لكن عليه أن لا يشعرهم بأنه تذكرهم فقط لأن ليس لديه ما يفعله.. ويريدهم الآن أن يصبحوا أصدقائه من جديد".


لذلك على المرء أن يخبر الأشخاص الذين يحبهم بأنه يحبهم كلما سنحت الفرصة.. سيندم كثيراً أن رحل عنه شخص إلى الأبد وهو لا يعلم بأنه يحبه.. لان جراءته خذلته في قولها.


قصة الفتى الفيتنامي

وصل فريق طبي أنجليزي لأحد القرى الفيتنامية أثناء الحرب وكانت هناك فتاة تبلغ من العمر تسع سنوات مصابة وتنزف وتحتاج لنقل دم.. كان يقف بجانبها فتى بعمرها يبدو قلق عليها.. فحصوا دمه ووجدوه مناسباً.. وعندما بدئوا بسحب دمه.. لاحظت الممرضة ان الفتى كان يبكي.. ظنت أن عملية نقل الدم تؤلمه.
حضرت حينها ممرضة فيتنامية تجيد الأنجليزية.. طلبت منها الممرضة الأنجليزية أن تسأله ما به.. أجابتها بعد سؤاله " انه يبكي لأنه يظن بأنكم ستأخذون كل دمه وتعطونه للفتاة التي تجمعه بها صداقة وجيرة".. فوجئت الممرضة الأنجليزية وتساءلت " كيف اعتقد هذا الفتى بأننا سنأخذ كل دمه.. ورضي أن يضحي بحياته من اجلها!.. يا لها من صداقة نادرة.. سعيد من يحظى بمثلها"

 Reader Digest""

العلاقات مع الأســـــرة
يحتاج المتقاعد لتعزيز العلاقة مع أفراد عائلته بالتواصل مع أبناءه وأحفاده وزوجته وأقاربه وامتداده العائلي بما يريحه ويريحهم.. فالأبناء مصدر شعور المتقاعد بتجدد الحياة واستمرارها.. والبيت يبقى هو الملاذ الوحيد عندما تسوء الجوانب الأخرى في حياته.. ويجعل منه مأوى للاستمتاع والطمأنينة.. فالبيت يجمعه بمن يحب.


قد يكون للمتقاعد أبناءاً لا زالوا تحت رعايته..  لذا يتحمل المتقاعد كغيره من الآباء المسئوليات الخمس تجاه أبناءه.. وهي: 
ü     مراعاة صحتهم
ü     والمساهمة في تربيتهم
ü     والاهتمام بتعليمهم
ü     وتوفير مستلزماتهم
ü     وبذل الجهد لإسعادهم كل ما أمكن
أما المستقلين عنه فيعاملهم كأخوة واصحاب له.



العلاقات مع من لا نطيقهم
تحديد من هم الذين لا يطاقون! يختلف من فرد إلى آخر.. ولكن هناك البعض يمكن تجنبهم بشكل عام..  كالشاكين المتذمرين الذي لا يعجبهم العجب.. ويمكن للمتقاعد تجنب الشخص الذي يدعي الطيبة ليحبه الآخرون.. وهو في الحقيقة لا يهتم بهم.. أو الشخص الذي يحاول أن يكون مضحكاً للحصول على إعجاب الغير.. ويتحدث في التوافه والسطحيات ويخرج عن الموضوع.. لذلك إذا أضطر الفرد للتعامل معهم يجعل العلاقة بهم لا تتجاوز حدود السلام والتحيات.. فليس هناك داع لخلق عدوات معهم أو مع غيرهم.

تجنب مثل الشخص 

هناك حكاية معروفة عن الضفدعة التي حاولت مساعدة العقرب على عبور النهر.. وفي منتصف الطريق لدغها.. ليموتا معاً.. وعندما سألته عن السبب.. قال لا أستطيع أن أقاوم فهذه طريقتي واسلوب حياتي.. وبعض الناس كهذا العقرب لا تأتي منهم سوى الأذية.. لا يكفي الابتعاد عنهم فقط بل الجري بعيداً عنهم.. وتجنب أية علاقة بهم.


ما هي أنواع العلاقات
التي يمكن للمتقاعد تكوينها مع الآخرين

-   علاقة منسجمة قائمة على ثقة المتقاعد بأقرب الناس إليه (الزوج / الزوجة- شريك الحياة) أو صديق حميم.. وهو العملة النادرة في زمن تطغى فيه المصالح الشخصية.
-   علاقة بعموم الاصدقاء والأقارب وبعض الزملاء.. وهي علاقة غير مستقرة بنفس الوتيرة.. تبدو حميمة أحياناً وهامشية أحياناً أخرى.. ولا نستطيع منحهم كل ثقتنا.
-   علاقة قائمة على وجود مصالح مؤقتة مع الآخرين والتي تنتهي بمجرد انتهاء الظروف الضاغطة لتكوينها.. وهي علاقة هامشية بطبيعتها.. كالجيران والمقاولين وزملاء الدراسة والعمل ومن نركب بجانبهم في وسائل النقل وغيرهم.
-   علاقة بالغرباء وبعض المعارف.. وهي علاقة غير مجبر عليها الفرد أو التي يمكنه تجنبها.. كالذين يتعامل معهم في البيع والشراء.




موضوعية العلاقة
يقيم الانسان الراجح علاقة موضوعية مع الآخرين.. وهي نموذج مثالي للعلاقات التي تتطلب من الفرد مهارات إنسانية فائقة.. ليختار نوع العلاقة بإتقان وفق 1- الموقف الذي يجد نفسه فيه 2- والتوقيت الذي تتم فيه 3- ومن هو الطرف الآخر.. فيجعلها علاقة منسجمة في موضوع معين.. وعلاقة مصالح في موضوع ثان.. وعلاقة هامشية في موضوع ثالث وهكذا. 

والخطأ الذي يقع فيه معظمنا هي عندما نعامل فرد بثقة على أساس أنه صديق حميم.. ونأتمنه على أسرارنا ليفشيها أو يستغلها ضدنا.. فندفع ثمن سوء التقدير غالياً. 

أو نشترك في أحاديث بمواضيع لا تتلاءم مع مستمعيها .. كالحديث في السياسة أو الرياضة مع شخص يكره الحديث فيهما.. أو الحديث مع شخص بسيط بموضوع عميق وجاد وهكذا.

كيف نحدد المسافة
بيننا وبين الآخرين

كلما كثرت تجاربنا صغرت دائرة علاقتنا مع من حولنا.. فالتجارب تعلمنا بأن نكون أكثر دقة  في انتقاء الاشخاص.. فهناك عوامل وأسباب تؤثر في تحديد المسافة بيننا وبين الآخرين.. منها:

1.                أفعال وتصرفات الآخرون "طوابع العلاقات"

تتحدد المسافة بيننا وبين الآخرين بسبب أفعالهم وتصرفاتهم نحونا.. وفكرة طوابع العلاقات لأحد علماء النفس توضح الفكرة:

هي أن يفتح الفرد في ذهنه ملف لكل شخص آخر يتعامل معه.. فعندما يقوم الطرف الآخر:
-       بعمل إيجابي نحوه يضع في ملف الشخص طابع باللون الأبيض.
-       بعمل سلبي نحوه يضع في ملف الشخص طابع باللون الأسود.
-       بعمل حيادي نحوه يضيف طابع باللون الرمادي.

وبناء على عدد وألوان الطوابع تتحدد علاقته بهذا الطرف.. وهكذا لبقية الأطراف الأخرى من الناس الذين يتعامل معهم.


2.                المناقشة والحوار والجدال مع الآخرين

والأحاديث تشغل مساحة واسعة بين الفرد والآخرين.. قد تؤدي لمزيد من الود أو لخلاف.. وهي تتدرج من الحوار وهو حديث ودي.. أبعد ما يكون عن الخلاف.. وكثيراً ما ينتهي لنفس روح الود والتقارب الذي بدأ فيه.. ومن ثم النقاش وهو تبادل المعرفة.. وخلاف محدود في الآراء.. وهي قابلة للالتقاء.. وأخيراً الجدال هو نقاش حاد.. وقد يكون جدل موضوعي.. فيه إفحام الخصم بالبرهان.. ومقابلة الحجة بالحجة.. أو جدال عقيم عادة ما ينتهي لمزيد من الخلاف والعناد.


الفرق بين الحكيم والجاهل أن الأول يناقش في الرأي.. والثاني يجادل في الحقائق.




3.                اختلاف الشخصيات ووجهات النظر
يجعل البعض من نفسه مقياساً للصواب والخطأ.. مع أن المقياس أكبر من ذلك بكثير.. فلا يكف هذا البعض عن توجيه الانتقاد السلبي لغيره.. لأنهم لا يفكرون او يتصرفون مثله لذلك هم مخطئون.. والانتقاد سهل يمكن أن يقوم به أي شخص حتى السيئ.

التأثر بآراء الآخرين. يضطر البعض للتظاهر والادعاء.. وقد يضحي بالكثير من ماله وراحته من أجل ترك انطباع جيد أو مميز لدى الآخرين عنه.. كل ذلك فقط لنيل إعجابهم وتقديرهم الزائف.

وبذلك يترك هذا البعض نفسيته ومزاجه متاحين للآخرين يتلاعبون بهما.. يسمعونه كلاماً طيباً فيفرح.. ويجادلونه أو يتهمونه باطلاً فيغضب ويفقد أعصابه.. وهذا لا يعني أن لا يتأثر أو يرد ويدافع عن نفسه.. لكن ليس المطلوب أن يجعل منهم ترمومترا لحياته يتحكمون بمشاعره صعوداً وهبوطاً ويؤثرون حتى على ثقته بنفسه.


علمتني نفسي أن لا اطرب لمديح.. ولا اجزع لمذمة.. تعلمت أن الأشجار تزهر في الربيع وتثمر في الصيف " ولا مطمع لها بالثناء".. وتنثر أوراقها في الخريف وتتعرى في الشتاء " ولا تخشى الملامة ".  
                               جبران خليل جبران



4.                توقعاتنا من الآخرين

نتوقع أن يتصرف الآخرون كما نريد ونشتهي.. لاعتقادنا بأنه من المفروض أن يتصرفوا هكذا أو ما يجب عليهم أن القيام به.. مع أن المفروض ما هو إلا وجهة نظر تخضع للزاوية التي يرى فيها الفرد الأمور.. وهي تختلف من فرد إلى آخر.. والبشر يتصرفون كما يشتهون بغض النظر عن الصواب والخطأ.. وتوقعنا ما هو إلا افتراض ناقص.

فكلما كثرت تجاربنا صغرنا دائرة علاقتنا مع من حولنا .. فالتجارب تعلمنا بأن نكون أكثر دقة  في انتقاء الاشخاص.
كلما عرفت البشر تعلمت أن أخذ حذري أكثر.. يا ربي ما أسوأ هذا العالم. " الملكة فيكتوريا"


5.                الصراع مع الآخرين

الفرص المتاحة أمام الناس محدودة.. لذلك ينشأ صراع التنافس بين الناس عليها.. ويولد الصراع عدم الثقة والعدوانية والكراهية للغير.. ويركز البشر بسبب ذلك اهتمامهم على تحطيم بعضهم البعض.. فإذا خاصم الإنسان فجر.. تجده يتمتع بالنميمة.. ويروج إشاعة بغيضة ضد خصومه.. سواء كانت صحيحة أو غير ذلك.


ولسوء الحظ يسعى البعض في عالمنا العربي للتقليل من شأن الآخرين أو الأساءة إليهم أو حتى تدميرهم في سبيل إثبات تفوقه عليهم.. بدلاً من أن يفعل ذلك عن طريق القيام بأداء أفضل منهم.


والآن ما هي المسافة المناسبة مع الآخرين؟

على الفرد الاقتراب من الذين يتشابه معهم في الصفات.. خصوصاً الذين يثرون حياته.. ويصاحب من يتفقوا مع شخصيته ويبتعد عن غيرهم.. وعليه التمييز في ذلك بين الناس.. فقد يكون الابتعاد عن البعض خسارة.. وقد يكون تقصير المسافات مع البعض الآخر خطأ وعذاب.. وقد تكون الوحدة أحياناً أفضل له من رفقة غير مناسبة.

 
فعندما تجد نفسك في مشكلة أو في صراع مع الحياة.. ولم تتعدى القناعة والرضا في مطالبك.. وعندما تعتقد أنك بذلت كل جهدك لكن الحظ كان بالمرصاد لكل محاولاتك.. وحين تتزايد على أكتافك أحمال الحياة.. تجد نفسك تبحث عمن تشكي له ما تخفيه من شجون تجول في صدرك .. تبحث من بين كل الناس عن شخص صادق وفي يفتح قلبه وعقله لك.. ليسمع ويتفهم ويخفف ويداري.. فتبوح له ما يفيض عن نفسك من خواطر لم تعد تحتملها وتصبر عليها.. وتشعر بعفوية لسانك وهو يعري نفسيتك أمامه دون خوف.. أتمنى أن تستطيع أن تجد مثل هذا الشخص.. وأن يكون قريب منك عندما تحتاجه.



لذلك عليك اختيار الشخص أو الصديق المناسب الذي تتحدث معه في أمر يشغل بالك.. فأن لم يكن مناسباً ستجده إما يستخف بالأمر ويغير موضوع الحديث.. أو يسكت ولا يبدو عليه التأثر.. أو يمل ويتثاءب.. والأسوأ قد يحتقرك وتنخفض قيمتك في نظره إذا ما عرف بعض من عيوبك ونواقصك.


لذا أن جمعتنا مع الآخر أي صفات.. مهما كانت نسبتها ضئيلة.. فأنها تكفي لبناء علاقة إيجابية معه.. مستعينين بتلك النسبة كمحور لعلاقتنا.

                         خلاصة علاقات المتقاعد مع الآخرين